خلق الله عز وجل الدنيا وجعل من سننها التعاون بين خلقه، فقد سخر بعضهم لبعض، وبهذا دبت الحياة بين البشر. لا يمكن أن تستقيم الحياة دون العمل المشترك بينهم؛ فالغني يستفيد من الفقير والعكس صحيح، وهذه سنة الله في خلقه.

مع الحاجة الملحة للبشر، تظهر الحاجات الدنيوية، فيبدأ الناس بالسعي نحو تحقيقها بكل السبل، ويسألون من لديه القدرة على قضاء حاجاتهم. ولكن من الطبيعة البشرية النفور، فقد يقضي أحدهم حاجتك وقد يعتذر، أو يقضيها مرة ثم ينفر منك. هذه هي الطبيعة البشرية، فلا يمكن أن تجد شخصًا على هذه الأرض يقضي كل الحاجات دون أن تعتريه خصائص النفس البشرية التي تضيق وتنفر من قضاء بعض الحاجات وتستجيب لأخرى، فعلق قلبك بالله قاضي الحاجات ومجيب الدعوات.

إن تعليق القلب بالله ليس مجرد شعار نردده، بل هو منهج حياة يجلب السكينة والطمأنينة. في عصرنا الحالي نرى الكثيرين يعلقون آمالهم على وسائل التواصل الاجتماعي للشهرة، أو على الشركات الكبرى للتوظيف، أو بذلك الطبيب الحاذق ، أو الموظف بمديره لطلب الترقية ، وغيرها من التعلق بالبشر ، لكن المؤمن الحق يدرك أن هذه كلها مجرد أسباب، والمسبب الحقيقي هو الله؛ فالمتأمل والفطن هو من يعلق آماله بالله الذي يسخر له البشر.

لا تعلق قلبك بغير الله، سل الله في كل وقت واعلم أن هؤلاء البشر إنما هم أسباب سخرهم الله، إن أعطوك أو لم يعطوك. الله عز وجل هو المنعم على عباده، يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة، ويستجيب لكل من يعيش على الأرض بجميع لغاتهم ومللهم ونحلهم. علمه وسع كل شيء وأحاط به، فهو المدبر لهذا الكون، وأمره بقول “كن فيكون” حتى وإن خالف الطبيعة الكونية.

انظر إلى قصص الأنبياء في القرآن الكريم، كقصة موسى عليه السلام حين انفلق البحر بأمر الله، وقصة يونس عليه السلام حين ابتلعه الحوت ثم نجاه الله، وقصة محمد صلى الله عليه وسلم في معجزة انشقاق القمر. كل هذه الأحداث تخالف ما نعرفه عن قوانين الطبيعة، لكنها حدثت بقدرة الله وإرادته، فقد علقوا قلوبهم بالله وسألوه فأعطاهم فلا يعجزه شيء سبحانه.

في زمننا، أصبحنا نرى القوة المادية هي المسيطرة على الأرض، فمن يملك القوة النووية والصناعة هو من يملك الأرض. نقول نعم، وذلك في عقلنا البشري، ولكن في قوة الله وقدرته، هو من أحاط بكل شيء في نواميس كونه، وهو من سخر ذلك، وهو من يعطي ويأخذ، ومن يكوّر الليل على النهار ، وهو القادر على كل شيئ.

فالله عزوجل يريدنا أن نسأله ، قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾. يريد الدعاء فيستجيب لكل من يعيش على الأرض، مسلمهم وكافرهم. وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم في معنى كلامهم، فإن الله يجيب دعاء المضطر والمظلوم حتى وإن كان كافرًا.

وهناك قصص كثيرة تبين ثمرات التوكل على الله. كقصة من فقد وظيفته فتوكل على الله وسعى في طلب الرزق، فيسر الله له عملًا أفضل مما كان. والمريض الذي اشتد به المرض فلجأ إلى الله بصدق، فشفاه الله بعد أن عجز الأطباء، ومن سأل الله الذرية وقد طال به العمر فرزقه الله من حيث لا يحتسب، وغيرها من القصص التي عشناها ورأينا قدرة الله بما لا ينكره عاقل.

فلا تعلق قلبك إلا بالله، واستغنِ عن كثرة سؤالك للبشر. سل الله بقلب مخلص وارفع الأيادي في الدعاء، وتحرَّ أوقات الإجابة، لقول النبي ﷺ: “إن ربكم حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا”.

وفي الختام، تذكر دائمًا أن الله أقرب إليك من حبل الوريد. فكلما شعرت بضيق أو هم، توجه إليه بقلبك قبل لسانك. اجعل علاقتك بالله هي الأساس في حياتك، وستجد أن كل أمورك تستقيم بإذن الله. فمن كان الله معه، فمن عليه؟ ومن كان الله عليه، فمن معه؟

اللهم اجعلنا ممن يتوكلون عليك حق التوكل، ويعلقون قلوبهم بك وحدك لا شريك لك. آمين.