الأمانة في الإسلام فضيلة عظيمة، وقد ضرب الله المثل لضخامتها بصورة ذات دلالات مؤثرة ومعبرة لكي لا يستهين الناس بها، فقال تعالى:
{إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72].
والمناصب العامة أمانات مسؤولة، وهي من بين أعلى مراتب الأمانة، وشرطها الأهلية والوفاء بكل متطلباتها بكل جدارة واقتدار.
نسبة كبيرة من الناس على هذه البسيطة يستيقظون يوميًا مع إطلالة كل صباح جديد، عاقدين العزم على الذهاب إلى أعمالهم التي يشغلونها، سواء كانت تلك الأعمال في شركات أو مؤسسات أو مصانع أو خلاف ذلك. وبلا شك، أولئك الناس هم موظفون في إحدى تلك الأماكن أيًا كان مسماها، وهم يعملون تحت إدارات ويحكمهم مديرون يختلفون في طباعهم ورؤاهم وطريقتهم في إدارة العمل برمته.
مكان العمل ليس مجرد مكان يقضي فيه الأشخاص بعض الوقت خلال اليوم، بل يشكل جزءًا كبيرًا من الحياة اليومية للأفراد. وبالتالي، إذا كانت بيئة العمل غير ملائمة، أو هناك موظفون مزعجون، أو كان المدير شخصًا لامباليًا، فإن ذلك كله سيؤثر سلبًا على الحالة النفسية للشخص، وعلى حياته كلها بشكل عام.
لذلك، ستواجه في مسيرتك المهنية العديد من التحديات والفرص التي قد تشكل مجرى حياتك المهنية بشكل غير متوقع. ستواجه أمورًا عديدة منها السهل ومنها الصعب، ولكن الإنسان الفطن هو الذي يتخلص من كل تلك المصاعب و المشاكل مهما عظمت.
ولكن لن يحدث ذلك دون دافع ودون توجيه. بطبيعة الحال، الجميع لديهم مديرون يديرون دفة العمل. فبعض أولئك المديرين يديرون الدفة بموظفيهم نحو العمل الجاد والتطوير المستمر والتميز، ومن ثم النجاح والوصول إلى بر الأمان بكل يسر وسهولة، متسلحين بسلاح العقل والحكمة والنصح والتشجيع واللطف في القول والفعل. وبالتالي، سيصل أولئك المديرون بكل تأكيد بالجميع إلى ضفة آمنة نفسيًا وعمليًا.
فبدون شخصية وصفات أولئك المديرين المحفزين وطريقة تعاملهم مع الآخرين وتأثيرهم الإيجابي، لم يكن ليصلوا لتلك الضفة الآمنة.
إن المديرين الأكفاء هم من يساعدون ويسعون لحل شتى المشاكل وليس تصديرها. يكونون متزنين الشخصية، يعملون بروح الفريق، ويوفرون بيئة صحية للموظفين، فيكونون دائمًا سببًا في جودة العمل، فيصبح ذلك ربحًا للمنشأة.
والعكس صحيح. المديرون غير الأكفاء هم من يصدرون المشاكل ويحولون مكان العمل إلى مسرح من الصراعات بين الموظفين مما يؤثر على قدراتهم، فتقل جودة العمل وتضعف.
اولئك المديرون لا يقودون الفرق؛ بل يدمرون النفوس، ويقتلون الشغف. يرون النجاح في الأرقام وحدها، ويتجاهلون حقيقة أن الموظف هو العنصر الأهم في المعادلة. المسؤول الذي يظن أن التوبيخ العلني أسلوب فعال، أو أن إدارة الموظفين بالقمع تُنتج الإبداع، لا يدرك أنه يحرق جسور الثقة بينه وبين فريقه.
هؤلاء المديرون يزرعون الخوف بدل الطموح، ويتعاملون مع الموظفين كأنهم أدوات تنفيذ فقط، بدون إبداء رأي أو نقد بناء يخدم العمل بشكل سليم. والنتيجة؟ بيئة عمل خانقة، موظفون محبطون، وأفكار إبداعية تُقتل في مهدها.
إذا كنت واحدًا من هؤلاء المديرين، لأجل الله توقف للحظة واسأل نفسك: هل ترغب في أن تكون السبب في إحباط فريقك؟ في هروب الموهوبين من مؤسستك؟ القيادة ليست مجرد لقب أو سلطة؛ إنها مسؤولية أخلاقية وواجب إنساني. النجاح الحقيقي لا يأتي من سحق النفوس، بل من إلهامها. القائد الناجح هو من يشعل الحماس، لا من يطفئه.
وثق أن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الأذكى والأكثر دوامًا.
إن هذه الحياة قصيرة جدًا، وكرسي المدير لن يدوم. الذي يدوم فقط هو سيرتك العطرة. هي من ستبقى لك طويلًا. جملها بالنية الحسنة في نفع عباد الله. كن كفؤًا لهذا المنصب الذي أولاه الله لك، وخاف الله في موظفيك، واحترمهم، واحرص على تطويرهم الدائم، وارفع كفاءتهم ومعنوياتهم، وخذ بيدهم نحو طريق النجاح.
التعليقات
اترك تعليقاً