التسامح هو خُلق إسلامي أصيل ويُقصد به الرِّفق في المعاملة وقد عرَّفه البعض بالعفو عند المقدرة، ومقابلة السيئة بالحسنة أي عدم رد الإساءة بالإساءة ومقابلتها بالعفو والإحسان، لتحقيق التواصل والتعايش مع الآخرين دون تساهل أو تنازل عن القيم والثوابت الإسلامية لأنه من مبادئ الأخلاق الإسلامية، والتسامح هو بلا شك خُلُق الأنبياء والمرسلين والصالحين، وقد أوصانا به المصطفى عليه الصلاة والسلام في قوله “اتَّق اللهَ حَيثُما كُنتَ، وأتبِع السَّيئَة الحَسَنة تَمْحُها، وخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنْ” (رواه الترمذي).

وقد قسَّم بعض المختصين التسامح إلى عدة أنواع أهمها:

  • التسامح الديني: وهو أهم أنواع التسامح ومن الضرورات التي تُسهِّل التواصل والتعايش بين الأفراد بمختلف الديانات خصوصا إذا كانوا يتعايشون في وطن واحد، ونبذ العنف والإرهاب تجاه بعضهما البعض.
  • التسامح الفكري (الثقافي): إن ما يشهده العالم من عِداء بسبب اختلاف الأفكار يُحتِّم علينا الاهتمام بنشر ثقافة التسامح الفكري وزرعها في الأجيال وتقبل الآراء والتعايش مع الاختلافات والتعامل معها باحترام وحُسن خُلق.
  • التسامح العرقي: إن التفرقة العنصرية وفقاً للون والعرق والجنس واللغة هي داء قديم عانى منه المسلمون في السابق، خاصة في عصر الجاهلية، حيث كان للإسلام دور كبير في نشر التسامح العرقي والتحذير من التفرقة العنصرية والقضاء عليها.

ولم يقف الإسلام عند التسامح فقط بل دعا إلى مقابلة السيئة بالحسنة التي تزيد من المودة والألفة والمحبة بين الأفراد وتساهم في توثيق الروابط الاجتماعية بينهم وصلاح المجتمع وهي طريق يُساهم في الوصول إلى مغفرة الله والجنة  التي يسعى لها كل مسلم بإذن الله، كما قال الله تعالى {وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ * ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِين} (آل عمران- 133/134).

ولعل من أبرز صور قمة التسامح في القرآن الكريم هي قصة عفو سيدنا يوسف عليه السلام عن إخوته بعد أن ألقوه في البئر المظلم وهو طفل صغير وقاموا ببيعه للقافلة للتخلص منه وإبعاده عن والده حقبة من الزمن وعفى عنهم بعد أن أصبح عزيز مصر في عهده وقال لهم “لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” (يوسف-92).

أما قصة عفو سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام في يوم فتح مكة (الفتح الأعظم) عن أهل مكة رغم ما عاناه منهم في بداية الدعوة من أذى وتهجير من مكة وقتال وتحريض، عندما قال لهم “يا معشر قريش، ما تظنون أني فاعل بكم؟” فقالوا “خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم” فقال عليه الصلاة والسلام “أذهبوا فأنتم الطلقاء”، وهو درس تجسدت فيه أسمى معاني التسامح والتعايش والعفو عند المقدرة.

والتسامح ليس أمرا هيناً وله في النفس ثِقَلٌ لا يتم التغلب عليه إلا مع الأشخاص الأقوياء الذين استطاعوا السيطرة على حب الانتصار والانتقام للنفس، وهو أيضاً لا يعني الانكسار والضعف أو المذلة والجبن بل إنه قمة الرجولة والشجاعة وغلبة الهوى والامتنان والعِزّة كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام “ما نَقَصَتْ صَدَقةٌ مِن مالٍ، وما زادَ اللَّهُ عَبْدًا بعَفْوٍ إلَّا عِزًّا، وما تَواضَعَ أحَدٌ للَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ” (رواه مسلم)، وقد ثبت طبياً أن التسامح وتجاوز المواقف المؤلمة يقي الإنسان بفضل الله من كثيرا من الأمراض المنتشرة هذه الأيام كأمراض القلب والقلق والتوتر وارتفاع ضغط الدم والشيخوخة المُبكرة من واقع تأثيره القوي على تنشيط جهاز المناعة لدى الإنسان، لذلك دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12 ديسمبر 1996م كافة الدول الأعضاء لاختيار يوم يُسمى “اليوم العالمي للتسامح” على أن يكون يوم ” 16 نوفمبر ” من كل عام هو اليوم العالمي للتسامح للاحتفال به من أجل تشجيع التسامح والاحترام والحوار والتعاون بين مختلف الثقافات والحضارات والشعوب وتم اعتماده رسميا في العالم أجمع.