Slaati

القرآن الكريم: إعجاز يتحدى الزمان ونور يضيء الوجدان

منذ 4 شهر01706
القرآن الكريم: إعجاز يتحدى الزمان ونور يضيء الوجدان

مشاركة

الرياض

الإعجاز القرآني هو تفرّد القرآن الكريم وتميزه بأعلى درجات الفصاحة والبلاغة والبيان، بحيث يعجز البشر جميعهم عن الإتيان بحرف من حروفه. وقد تحدى الله - تعالى - العرب عندما أنزل عليهم هذا القرآن، وقد كانوا يشتهرون بفصاحتهم وبلاغتهم، فجاء القرآن معجزاً لهم ، وإنّ الله - تعالى - لما تحدّى العرب بالإتيان بمثل القرآن الكريم تحداهم على ثلاثة مراحل، أولها التحدي بالقرآن كاملاً.

قال تعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنَّسُ وَالْجِنِّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا). ثم التحدي بإتيان عشر سور من سور القرآن الكريم قال الله - تعالى - : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ). ثم التحدّي بإتيان سورة واحدة من سور القرآن الكريم قال تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَن اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ولكنهم عجزوا عن ذلك جميعاً ولم يستطيعوا أن يأتوا بشيء من ذلك.

وهذه الآيات تحدى الله بها أفصح الفصحاء في العربية بأن يأتوا بحديث مثله، ثم تحداهم بأن يأتوا بعشر سور مثله، ثم تحداهم بأن يأتوا بسورة من مثله. ولو كان بإمكان العرب أن يأتوا بمثله لما قبلوا هذا التحدي ولما استسلموا له، ولما رضخوا لحكم الله، فلما عجزوا عن كل ذلك أدركوا أن القرآن كلام اللة.

إن القرآن الكريم معجز من عدة وجوه وعدة جوانب، أولها : الإعجاز البياني أو اللغوي الذي يقصد به إعجاز القرآن بكلماته وبألفاظه، وجمال أسلوبه ونظمه، وبلاغة تراكيبه، وترابط آياته، وتنوع أساليبه ما بين التقديم والتأخير، والنفي والإثبات، والحقيقة والمجاز، وغير ذلك مما جعله كتاباً خالداً لا يتسم بسمات كلام البشر أبداً.

وقد أعجز الكتاب والأدباء وشعراء العصر الجاهلي ومن بعدهم إلى زماننا هذا وحتى قيام الساعة وخير شهادة على فصاحة وبلاغة القرآن الكريم عندما تأتي الشهادة من عدة، فهذا الوليد بن المغيرة يقول . في القرآن الكريم: " والله إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه". والأمثلة على الإعجاز البياني واللغوي كثيرة لا حصر لها .

أمثلة على الإعجاز البياني في القرآن الكريم إنَّ من بلاغة هذا القرآن العظيم وإعجازه الخالد أن كل كلمة فيه وكل حرف وضع في موضعه المناسب من السياق، ليعبر عن معنى أو معان لا يطَّلع عليها إلا من له اطلاع واسع على لغة العرب، أو من رزقه الله -تعالى- تدبُّـرَ كتابه، ونوَّر قلبه، وألهمه دقيقَ المعاني، فكلُّ جملة أو كلمة أو حرف في كتاب الله -تعالى- وضع في موضعٍ يناسبه مناسبةً عجيبة، ومنْ الأمثلة على ذلك: في بداية سورة الحديد وحدها جاء قول الله تعالى: "سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ" ، وفي غيرها من المسبحات جاء قوله تعالى: "سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ" ؛ وذلك لأنّ سورة الحديد تضمنت الاستدلال على عظمة الله تعالى وصفاته وانفراده بخلق السماوات والأرض فكان دليل ذلك هو مجموع ما احتوت عليه السماوات والأرض من أصناف الموجودات فجمع ذلك كله في اسم واحد هو "ما" الموصولة التي صلتها قوله تعالى: "في السماوات والأرض". أما سورة الحشر أو الصف، أو الجمعة، أو التغابن فقد سِيقتْ لنعمة الله -تعالى- ومنَّتهِ على المسلمين، في حوادث أرضية مختلفة؛ فناسب أن يذكر أهل الأرض باسم موصول خاصٍّ بهم وهو "ما" الموصولة الثانية التي صلتها "في الأرض"، وجيء بفعل التسبيح في فواتح سور الحديد والحشر والصف بصيغة الماضي للدلالة على أن التسبيح قد استقر في قديم الزمان، وجيء به في سورة الجمعة والتغابن بصيغة المضارع للدلالة على تجدده ودوامه، فاكتمل المعنى بهذا الإعجاز البياني في فواتح هذه السور، وإنّما هذا يدلّ على عظمة الله سبحانه، وعظمة كتابه الخالد، وعظمة هذا الدين. قال الدكتور فاضل السامرائي في كتابه "لمسات بيانية": هناك قاعدة في القرآن الكريم، سواء في أهل الجنّة أم في أهل النَّار، إذا كان المقام مقام تفصيل الجزاء أو في مقام الإحسان في الثواب، أو الشدة في العقاب يذكر كلمة (أبدًا)، وإذا كان في مقام الإيجاز لا يذكرها، والمثال على هذا ما ورد في كتابه العزيز: "وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا" [وهذه الآية فيها تفصيل للجزاء فذكر فيها (أبدًا)، أما في قوله تعالى: "تلك حدودُ الله ومنْ يُطعِ الله ورسولَهُ يدخلْهُ جناتٍ تجري من تحتِها الأنهارُ خالدينَ فيها وذلكَ الفوزُ العظيم" ، أما هذه الآية فليس فيها تفصيل، فلم يذكر (أبدًا)، فالتفصيل زيادة في الجزاء، ويتسع في قوله (أبدًا) فيُضيف إكرامًا إلى ما هم فيه من إكرام، وكذلك في العذاب، وقد وردت في القرآن الكريم جملة: "خالدين فيها أبدًا" في أهل الجنة، 8 مرات، ووردت في أهل النار 3 مرات، وهذا من رحمة الله -سبحانه وتعالى-، لأنّ رحمته سبقت كل شيء عزَّ وجلَّ.

الخلاصة: إن الإعجاز القرآني حقيقة ساطعة، تتجلى في جوانب متعددة تشهد على أنه كلام الله المعجز، وليس كلام بشر. هذا الإعجاز هو دليل قاطع على صدق رسالة الإسلام، وهو نور الهداية الذي يجب على كل إنسان أن يتدبر آياته ويتفهم معانيه ليسترشد به في حياته ويفوز برضا الله وجنته. فليتدبر المؤمنون في هذا الكتاب العظيم، وليستضيئوا بنوره، وليجعلوه دستور حياتهم ومنهج عملهم.

اسم الطالب : عبدالكريم الرشودي

جامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية

التعليقات ()

مشاركة

أخر الأخبار

95b659f6-ad6a-4e9a-a231-457100d1dd7d.jpg
الطائرات المقاتلة ترافق رئيس وزراء باكستان لدى وصوله الرياض.. فيديو
الرياض
منذ 15 دقيقة
0
1377
334b9007-8c23-479c-b56c-630970f38d27.jpg
إجازة اليوم الوطني للمؤسسات المالية والبنوك الثلاثاء القادم
الرياض
منذ 27 دقيقة
0
1402
f8eb18bb-4219-4c1d-a453-fe2e5d4a423f.jpg
باريديس يقلد توني كروس بحرق أطراف رباط الحذاء.. فيديو
وكالات
منذ 28 دقيقة
0
1385
8a9c374b-45d0-4705-97a6-758e878cf7f2.jpg
"البلديات والإسكان" تصدر اشتراطات مراكز ومنافذ بيع المركبات المُلغى تسجيلها
الرياض
منذ 29 دقيقة
0
1396
1db7d601-15f1-42ae-99c5-3b9dd275b55b.jpg
الحصيني: الاثنين المقبل اعتدال خريفي وتساوي الليل والنهار
الرياض
منذ 31 دقيقة
0
1395
إعلان
مساحة إعلانية
القرآن الكريم: إعجاز يتحدى الزمان ونور يضيء الوجدان - صدى الالكترونية أخبار محلية سعودية وعربية ودولية إقتصادية وإجتماعية ومال واعمال ورياضة وشئون المرأة