خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف

مكة المكرمة
أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط، المسلمين بتقوى الله والحرص على مرضاته، وإخلاص الدين له، فالسعادة إخلاص الدين لله، ومتابعة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.
وقال فضيلته: تزكية النفوس وتقويمها، وإصلاح القلوب وتطهيرها، أملٌ سعى إليه العُقلاء في كل الثقافات والحضارات، منذ أقدم العصور، فسلكوا إلى بلوغه مسالك شتّى، وشرعوا لأنفسهم مناهج وطرائق قددًا، وحسبوا أن في أخذهم أنفسهم بها إدراك المُنى، وبلوغ الآمال، في الحَظوةِ بالحياة الطيبة، والعيش الهانئ السعيد.
وأوضح فضيلته أن ممّا يُزكّي النفوس تجديد الإيمان فيها على الدوام، إذ الإيمان يخلق كما تخلق الثياب، ولذا كان صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يأخذ أحدهم بيد الآخر فيقول: "تعال نُؤمن ساعة"، فيجلسان فيذكران الله تعالى.
وأكّد الشيخ أسامة بن عبدالله خياط أن دوام تذكّر نعم الله التي أنعم بها على عباده، ممّا يزكّي النفوس، ويُورِثُ الذاكر لها كمال تعلّق، وتمام توجّه إليه، وخضوعًا وتذللًا له سبحانه، فإن كل ما وهبه من حياة وصحة، ومال وولد وجاه وغيرها، إنما هو منّةٌ منه، وفضل وإنعام أنعم به، كيف ومتى شاء، ولو شاء لسلب ذلك منه متى شاء، فإنه مالك الملك كله بيده الخير، يؤتيه من يشاء، ويصرفه عمن يشاء.
وأشار الشيخ أسامة خياط إلى أن القلب ملك الجوارح، تصلح بصلاحه وتفسد بفساده، كما جاء في الحديث : "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب"، أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما، مبيّنًا أن نية المرء ومقصوده من كل عمل يعمله من أهم أعمال القلوب وأعظمها لتزكية النفوس، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يُصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه"، أخرجه الشيخان في صحيحيهما.
وختم فضيلته الخطبة: من أعظم أسباب التزكية للنفس، التوبة والإصلاح للقلب، فإن عبودية التوبة كما قال ابن القيم رحمه الله: من أحب العبوديات إلى الله وأكرمها عليه، فإنه سبحانه يحبُّ التوابين، ولو لم تكن التوبة أحب الأشياء إليه، لما ابتَلَى بالذنب أكرم الخلق عليه، فلمحبته لتوبة عبده ابتلاه بالذنب الذي يُوجِبُ وقوع محبوبه من التوبة، وزيادة محبته لعبده، ولها منزلةً ليست لغيرها من الطاعات، ويفرح سبحانه بتوبة عبده حين يتوب إليه أعظم فرح يُقدَّر، مثّلهُ النبي- صلى الله عليه وسلم-، بفرح الواجد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه، في الأرض الدويّة المهلكة، بعدما فقدها وأيس من أسباب الحياة، ولم يجئ هذا الفرح في شيء من الطاعات سوى التوبة.
كما أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي بالمدينة المنورة فضيلة الشيخ الدكتور صلاح البدير المسلمين في خطبته بتقوى الله ومراقبته، فهي منبع الفضائل، ومجمع الشمائل، وأمنع المعاقل، من تمسك بأسبابها نجا.
وقال فضيلته :الأتقياء الألباء يفرحون بالنعم فرح الشكر والذكر والحمد والثناء لا يطيشون بالأموال زهوًا ولا يميلون بالثروة ميلًا ولهوًا فلا النعماء تبطرهم ولا اللأواء تجزعهم وأما البَطِرون المترفون المسرفون فيفرحون بالإمداد ويفخرون على العباد ديدنهم الكبر والبَذَخُ والتطاول ودأبهم التباهي بالحواشي والغواشي والتباري بالفواشي والمواشي والتكاثر بالأموال والذراري يترفعون على الأكفاء ويستعلون على الفقراء ويكسرون قلوب الضعفاء وتلك هِجِّيرى أهل الخيلاء والكبرياء وناقصي العلم والبصيرة الذين لا يبالون بمشاعر المحرومين ولا يكترثون بآلام المنكوبين والمهجرين والمنقطعين ولا يعبؤون بحال المرضى والمبتلين والمحزونين والحامل على ذلك الأشر المطغي والبطر الملهي والاستغراق في حب الدنيا والاغترار بزخرفها واستعظام النفس واستحقار الناس وحب الشهرة والظهور ومرح السّكر لا فرح الشكر ولا تصدر تلك الأفعال إلا من قلبٍ قد امتلأ بالكبر والجهل والظلم وترحّل منه التواضع فأحاطت به الغفلات وأوقعته في الهفوات فشمخ بأنفه وتعظّم وتفاخر ونظر إلى الناس شَزْرًا وَمشىٰ بينهم تَبَخْتُرًا وتحدث إليهم تكبّرًا.
وبين فضيلته أن الشيطان ينفخ نفخة فتحصل للمتفاخرين هِزَّةٌ ولذّة وطيش يحملهم على السفه في الإنفاق والسرف والتبذير والنفقة في المعصية وإتلافِ الأموال في التكلّف والسمعة والرياء وصرفِها في المباهاة والتطاول وتفريقها في المغالبة والتعاظم وإفسادها بالتفاخر والتكاثر قال جل وعز (ٱعْلَمُوٓاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌۢ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي ٱلْأَمْوَٰلِ وَٱلْأَوْلَٰدِ).
وأشار فضيلته إلى أنه يأخذ التباهي والتفاخر والخَطَران الفَرِحَ المغرورَ الفخور فيعرض عبر وسائل التواصل الاجتماعي موائدة المصفوفة وزرابيَّه المبثوثة ونمارقه المصفوفة وبيوته المشرفة ورياضه المونقة وبساتينه المورقة وحدائقه المعذقة وحلله المنشّرة وأنهاره المتدفقة ومراكبه الفارهة ومجالسه الواسعة يصوّر كل شئ ويظهر ويشهر كلّ شيء يذكر ويعرف وتشير إليه الناس بالأصابع ويكثر له المشاهد والمتابع وما ذلك إلاخفة واختيال وحماقة مجرّدة لا تعود على صاحبها في آخرته بنفع ولا شفع.
وختم إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ الدكتور صلاح البدير مذكرًا أنه كم من الراحلين تباهوا بالعز والكثرة والثروة حتى صاروا رهن القبور فما نفعتهم تلك الأفعال والصنائع ولا أغنىٰ عنهم الحرص على دقيق المطامع، وأين أهل المنازل والدور وأين قياصرة القصور وهُرَامِزِةُ الدّهور وأين الآباء والأجداد وأين المريض والعُوَّاد وأين من مضى من نزارٍ وأين من مضى من إياد وأين ثمودُ الذين جابوا الصخر بالواد وأين عاد إرَمُ ذَاتُ العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد. فاتق الله أيها المتباهي المختال وأنزل عن التباهي اختيارًا قبل أن تنزل منه اضطرارًا فإنك عبد ذليل محصور ضعيف مقهور مُحاطٌ بك من تحتك ومن فوقك لا يليق بك التّكبّر ولا التجبر ولا التيه وبئس العَبْدُ عبدٌ تخيَّلَ واختالَ، ونَسِيَ الكبيرَ المُتَعالِ.