
فاضت المشاعر في المشاعر
الحج هو عبادة عظيمة الحسنات ، كثيرة الثواب ؛ يمحو الله تعالى به الخطايا ويقيل العثرات ، ويطهر الإنسان من أدران ذنوبه السابقة فيرجع الحاج إلى أهله طاهر القلب نقي السريرة وكأنما ولد من جديد ، لأن الحج ميلاد جديد للإنسان ، فهنيئاً لمن كتب الله له الحج وهنيئًا لمن تُقبل منه.
الحج رحلة روحانية ، وعبادة نورانية ، دعوة من الله لزيارة بيته ، فلتلبوا ولتهللوا ، ولتذكروا الله بكل مكان وزمان.
الحج أجمل أيام العمر ، أيام مليئة بالروحانية والسعادة، ومليئة بالطمأنينة والسكينة والقرب من الله.
الحج تتلاقى فيه شعوب الأمم الإسلامية؛ لتتعارف وتتآلف وتتبادل المنافع.
جاء الحجاج من كل فج عميق بلباس واحد، وفي مكان واحد ، ويؤدون عبادة واحدة، ومشاعرهم حافلة بالذل والخشوع لرب العالمين ، جاءوا شعثاً غبراً يرجون رحمة الله ويخافون عذابه ، حتى أن المولى جل وعلا يباهي بهم ملائكته.
فيا لها من مشاعر إيمانية تكسر القلوب القاسية ، وتذل الجبابرة، وتشعر المسلمين بضرورة وحدة الهدف، ووحدة الطريق المؤدية إليه، ليتحقق لها التمكين في الأرض والنصر على أعدائها في الشرق والغرب.
الحج المبرور هو الحج الموافق لهدي النبي ﷺ الذي لم يخالطه إثم من سمعة أو رفث أو فسوق، المحفوف بالصالحات والخيرات.
الحج لبيك اللهم لبيك، إليك عدنا ، وعلى بابك التقينا ، وذرفنا الدمع وبكينا ، إليك أنبنا ، وإليك أفضنا ، فتقبل اللهم منا فبرحمتك اهتدينا.
الحج لبيك يا رب الحرم ، لبيك يا رب الجود والكرم ، لبيك أنت المنعم ، لبيك يا رب الورى والكل باسمك محرم.
الحج شعور لا يعرفه إلا من حج بيت الله بقلب خالص ، ونفس موقنة ، الحاج يتذوق حلاوته ، ويستشعر قدسيته ، وتحفه روحانيته.
الحج فيه ترتفع الأصوات بالتلبية ، والاكف بالدعاء ، والقلوب بالرجاء ، عسى الله الواحد الخلاق أن يغفر.
والأنفس والقلوب والأرواح والأبدان تشتاق إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة.
قال الشاعر: ولكعبة البيت الحرام قلوبنا تصفو ** وتظهر شوقها المكتوما طاف العباد بها وصلوا خشعا ** وترنموا بتلاوة ترنيما وتجردوا في كل شيء عندما جاءوا ** وقد نالوا الثواب كريماً لبوا نداء الحق بالقلب الذي ** سمع الأذان في السماء جميلا
في الحج تُقبل القلوب على الله ، طلباً للرحمة والمغفرة والعتق من النار في أجواءٍ مفعمة بالإيمان ، والطمأنينة والسكينة ، حجاج بيت الله الحرام حينما يؤدون طوافَ الوداع يسكبون الدموع والعبرات على فرق بيت الله الحرام ومسجد رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم والمشاعر المقدسة.
الحج يغذي الأرواح المتعبة، ويفتح الأبواب المغلقة، وينفي الفقر المدقع، ويمحو الذنوب المتراكمة، كما ينفي الكير خَبَثَ الذهب والحديد؛ تطبيقًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (تابعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة).
إن الجانب الروحي وجانب المشاعر في الحج عظيم وكبير جدًا ، فيعطينا مشاعرُ لا توصف، وأحاسيسُ لا تُكتب، وشعائرُ لا تُحكى، إنما يستطعمها الذي يؤدِّيها، ويستشعرها الذي يحضرها، ويُحسُّها الذي يلبِّي نداءها، فينظر إلى الكعبة، ويعانق الحَجَر، ويصلي عند المقام، يسعى كما سَعَتْ هاجر عليها السلام ، ويطيع كما أطاع إسماعيلُ عليه السلام ، ويضحِّي كما ضحى إبراهيمُ عليه السلام، ويطوف كما طاف محمدٌ عليه الصلاة والسلام، ويقبِّل الحجر كما قبَّل عمر رضي الله عنه؛ فقط عن حبٍّ ورغبة وإخلاص، لعل قدمًا تأتي مكان قدم، وطوافًا يأتي مكان طواف، وسعيًا يأتي مكان سعيٍ، فيزداد الإيمان، ويتنزل الغفران، وينتشر الأمن ويأتي الأمان.
ها هي شمس الحج قد غربت ، ولحظات الوداع صعبة وقاسية ، وفاضت المشاعر في المشاعر ، اللهم تقبل من حجاج بيتك حجهم ، اللهم اغفر لهم اللهم تقبل منهم، اللهم ردهم إلى أهلهم سالمين غانمين مقبولين ، وداعاً يا حجاج بيت الله الحرام والقلب يعتصره الألم على فراقكم فقد أحببناكم.