
كسر المجاديف
تربطنا الحياة بشكلٍ أو بآخر بأشخاص قد يمرّون بنا هنا وهناك، نظنهم في بادئ الأمر أنهم صادقون في ودّهم، وفي نصحهم، وفي دعمهم المعنوي لنا، بكل صدق. قد نكون نحتاج أحيانًا للنصح أو للمشورة أو لأخذ رأي مهم قد يشكل مرحلة مفصلية في حياتنا، فنذهب إلى أولئك الأشخاص معتقدين أننا سنجد المشورة والرأي السديد، ونأخذ به. ولكن نكتشف بعد ذلك الخطأ الجسيم الذي وقعنا فيه، ونندم أشد الندم لأننا لجأنا إليهم. في أحد الأيام، جلست مع إحداهن نتبادل أطراف الحديث الذي كنت أظن أنه سيكون مثمرًا، وكنت حينها لا أعي من هي تلك الشخصية التي تجلس أمامي حقيقة.ً فقمت بفتح موضوع يخصّني ويخصّ أعمالي الكتابية القادمة، وصرّحت لها بما أنوي القيام به حيال ذلك الأمر. وفي لحظة حماس، طلبتُ منها رأيها ومشورتها فيما أفصحتُ به لها بكل شفافية. وهنا كانت الصدمة بالنسبة لي، حيث إنني لم أكن أتوقع بأي شكل من الأشكال ذلك الرد الذي كانت تنوي به كسر مجاديفي وتحطيمها دون رحمة. باختصار، لم أجد منها بعدما شاركتها طموحي أي ردّ فعل إيجابي كما كنت أتوقع، ولم أجد أي جانب محفز من قبلها، بل حاولت أن تطفئ ومضة الأمل والتفاؤل لدي. بطبيعة الحال هناك بلا شك أشخاص يستمتعون حينما يكسرون مجاديف الآخرين، وذلك لأنهم هم أنفسهم أشخاص محبَطون، وليس لهم هدف سامٍ في الحياة، سوى تحطيم كل شخص يرون فيه همةً وطموحًا. فيقومون بنشر إحباطاتهم تلك على شكل كلمات سلبية بغيضة، وبثّها في مسامع من يسعون ويجاهدون نحو أهدافهم. هذا الموقف، ذكرني بقصة مجموعة الضفادع التي قررت في يومٍ ما، المشاركة في سباق لتسلق أحد الأبراج العالية، لبلوغ قمة البرج. وحين بدأ السباق، كانت جميع الضفادع المجتمعة تسخر وتستهزئ بهم بصوتٍ مسموع، ليقينها أن هؤلاء المتسابقين لن ينالوا مرادهم، ولن يتمكنوا من تحقيق الهدف بعيد المنال كما كانوا يتصورون. واستمرت الضفادع وهي تردد العبارات المثبّطة والمحبطة والقاسية، لتشككهم في قدراتهم، وتقلل من شأنهم، حتى تخور قواهم تدريجيًا، وتضعف عزيمتهم. وبالفعل، بدأت الضفادع المشاركة في السباق تتأثر بتلك الكلمات السلبية، ويسقط منها الواحد تلو الآخر، لشعورها بالإحباط، وعدم مقدرتها على الاستمرار للوصول نحو القمة. في حين تمكّن ضفدع واحد فقط من الوصول، من دون أن يتأثر بالكلمات السلبية، ليسرق الأضواء، ويبهر الجميع، حيث استمر بالتسلق بكل ما أوتي من قوة، متجاوزًا كل التحديات، حتى بلغ قمة البرج، وتمكن من الفوز. تعجب جميع المتشائمين، ودفعهم الفضول لمعرفة أسباب عدم تأثر الضفدع بالتعليقات السلبية، وما هو سر نجاحه. وجاءت الإجابة حين اجتمعوا حوله، ليستوعبوا بعدها أنه كان أصمّ لا يسمع، لذا لم يتأثر بكل التحذيرات المخيفة، والعبارات المحبطة، وتمكن من تحقيق نجاح لافت، وانطلاق نحو الأمام بكل ثقة.
كان صمته هو الإجابة.
هناك كلمات تكون قوة تضرب وتقتل وتمزق وتنهي كل جمال في نفوس الآخرين.
لكن تذكّروا على الدوام أنه لا بد، وحتماً، أن نصمّ آذاننا عن الاستماع إلى أي شخص يسعى لتحطيم حلم مهما كان صغيرا. فقط قم بمواصلة المسير نحو الهدف المنشود.
فقط اصمت وواصل وستمردون توقف، فالصمت هو ذلك التعبير المهيب، لأنك بصمتك ذاك، سحبتَ من كل المحبطين حولك جوهرك الذي منحتهم إيّاه يومًا.